فضل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد: فإن الله عز وجل قد خص أربع كلمات
بفضائل عظيمة وميزات جليلة تدل على عظم شأنهن ورفعة قدرهن وعلو مكانتهن
وتميزهن على ما سواهن من الكلام وهن : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر . ورد في فضلهن نصوص كثيرة تدل دلالة قوية على عظم شأن
هؤلاء الكلمات وما يترتب على القيام بهن من أجور عظيمة وأفضال كريمة
وخيرات متوالية في الدنيا والآخرة , وقد رأيت أن من المفيد جمع جملة منها
في مكان واحد, وهي في الأصل جزء من كتاب (فقه الأدعية والأذكار) رغب بعض
أفاضل الأخوة الكرام أن تفرد رسالة مستقلة ليعم نفعها وتكثر فائدتها بإذن
الله تعالى . فإليك -أخي المسلم- هذه الفضائل فتأملها بأناةٍ عسى أن يكون
فيها تحفيز للهمم وتنشيط للعزائم , وعون على المحافظة على هؤلاء الكلمات,
والله وحده الموفق والمعين على كل خير ولا حول ولا قوة إلا به العلي
العظيم .1 - فمن فضائل هؤلاء الكلمات : أنهن أحب الكلام إلى الله , فقد
روى مسلم في صحيحة من حديث سمرة ابن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" أحب الكلام إلى الله تعالى أربع, لا يضرك بأيهن
بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" صحيح مسلم.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده بلفظ:"أربع هن من أطيب الكلام, وهن من
القرآن, لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله , والحمد لله , و لا اله إلا الله
, والله أكبر " . 2 - ومن فضائلهن : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر
أنهن أحب إليه مما طلعت عليه الشمس- أي من الدنيا وما فيها- لما روى مسلم
في صحيحة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:" لأن أقول: سبحان الله , والحمد لله , ولا اله إلا الله ,
والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " 3 - ومن فضائلهن: ما ثبت في
مسند الإمام أحمد وشعب الإيمان للبيهقي بإسناد جيد عن عاصم بن بهدلة عن
أبي صالح , عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: مر بي رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقلت: إني قد كبرت وضعفت, أو كما قالت, فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة
قال:"سبحي الله مائة تسبيحه , فإنها تعدل لك مائة رقية تعتقينها من ولد
إسماعيل , واحمدي الله مائة تحميده تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملن
عليها في سبيل الله ,وكبري الله مائة تكبيرة فإنها تعدل لك مائة بدنة
مقلدة متقلبة, وهللي مائة تهليله. قال ابن خلف الراوي عن عاصم) أحسبه
قال: تملأ ما بين السماء والأرض, ولا يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي
بمثل ما أتيت به" . قال المنذري :"رواه أحمد بإسناد حسن" وحسن إسناده
العلامة الألباني رحمه الله, وتأمل هذا الثواب العظيم المترتب على هؤلاء
الكلمات ,فمن سبح الله مائة أي قال: سبحان الله مائة مرة فإنها تعدل عتق
مائة رقبة من ولد اسماعيل وخص بني إسماعيل بالذكر لأنهم أشرف العرب نسباً,
ومن حمدا لله مائة أي من قال: الحمد لله مائة مرة كان له من الثواب مثل
ثواب من تصدق بمائة فرس مسرجة ملجمة أي عليها سراجها ولجامها لحمل
المجاهدين في سبيل الله , ومن كبر الله مائة مرة أي قال: الله أكبر مائة
مرة كان له من الثواب مثل ثواب إنفاق مائة بدنة مقلدة متقبلة , ومن هلل أي
قال: لا اله إلا الله مائة مرة فإنها تملأ ما بين السماء والأرض ولا يرفع
لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتى به. 4 - ومن فضائل هؤلاء الكلمات , أنهن
مكفرات للذنوب فقد ثبت في المسند وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم من حديث
عبدا لله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:" ما على الأرض رجل يقول : لا اله إلا الله والله أكبر وسبحان الله
والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا كفرت عنه ذنوبه ولو كانت مثل
زبد البحر " حسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي حسنه الألباني.
والمراد بالذنوب المكفرة هنا أي الصغائر ,لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:" الصلوات
الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت
الكبائر " صحيح مسلم, فقيد التكفير باجتناب الكبائر لأن الكبيرة لا يكفرها
إلا التوبة. وفي هذا المعنى ما رواه الترمذي رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مر بشجرة يابسة فضربها بعصاه فتناثر الورق, فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:" إن الحمد لله , وسبحان الله , ولا اله إلا الله
, والله اكبر لتساقط من ذنوب العبد كما يتساقط ورق هذه الشجرة" حسنه
الألباني. 5 - ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنهن غرس الجنة روى الترمذي عن
عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"
لقيت إبراهيم ليلة أسرى بي, فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم
أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان , غراسها سبحان الله ,
والحمد لله , ولا اله إلا الله , والله أكبر" سنن الترمذي وحسنه الألباني,
وفي
إسناد هذا الحديث عبدا لرحمن ابن إسحاق ,لكن للحديث شاهدان يتقوى بهما من
حديث أبي أيوب الأنصاري ومن حديث عبدا لله ابن عمر . والقيعان جمع قاع وهو
المكان المستوى الواسع في وطاه من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه ويستوي
نباته, كذا في النهاية لابن الأثير, والمقصود أن الجنة ينمو غراسها سريعاً
بهذه الكلمات كما ينمو غراس القيعان من الأرض ونبتها. 6 - ومن فضائلهن:
أنه ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يُعمر في الإسلام يكثر تكبيره وتسبيحه
وتهليله وتحميده, روى الأمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة بإسناد
حسن عن عبدا لله بن شداد: أن نفراً من بني عُذرة ثلاثة أتوا النبي صلى
الله عليه وسلم فأسلموا, قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من
يكفينيهم؟" قال طلحة: أنا , قال: فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله
عليه وسلم بعثاً فخرج فيه أحدهم فاستشهد, قال: ثم بعث آخر, فخرج فيهم آخر
فاستشهد,قال: ثم مات الثالث على فراشه. قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة
الذين كانوا عندي في الجنة , فرأيت الميت على فراشه أمامهم ورأيت الذي
استشهد أخيراً يليه ورأيت الذي استشهد أولهم آخرهم, قال: فدخلني من ذلك ,
قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال:فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:" ما أنكرت من ذلك ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يُعمر في
الإسلام يكثر تسبيحه وتهليله وتحميده" . وقد دل هذا الحديث العظيم على عظم
عُمره وحسن عمله ولم يزل لسانه رطباً بذكر الله عز وجل. 7 - ومن فضائلهن:
أن الله اختار هؤلاء الكلمات واصطفاهن لعباده, ورتب على ذكر الله بهن
أجوراً عظيمة, وثواباً جزيلاً, ففي المسند للإمام أحمد ومستدرك الحاكم
بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:"إن الله أصطفى من الكلام أربعاً: سبحان الله ,
والحمدلله, ولا اله إلا الله, والله أكبر , فمن قال :سبحان الله كُتب له
عشرون حسنة وحُطت عنه عشرون سيئة ,و من قال: الله أكبر فمثل ذلك , ومن قال
لا اله الا الله فمثل ذلك, ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه
كتبت له ثلاثون حسنة, وحط عنه ثلاثون خطيئة" وقد زاد في ثواب الحمد عندما
يقول العبد من قبل نفسه عن الأربع , لأن الحمد لا يقع غالباً إلا بعد سبب
كأكل أو شرب أو حدوث نعمة فكأنه وقع في مقابلة ما أسدي إليه وقت الحمد,
فإذا أنشأ العبد الحمد من قبل نفسه دون أن يدفعه لذلك تجدد نعمة زاد
ثوابه. 8 - ومن فضائلهن: أنهن جُنة لقائلهن من النار, ويأتين يوم القيامة
منجيات لقائلهن ومقدمات له, روى الحاكم في المستدرك والنسائي في عمل اليوم
والليلة وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "خذوا جُنتكم" قلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوٍ
قد حضر! قال:" لا بل جُنتكم من النار, قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا
اله إلا الله والله اكبر فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات وهن
الباقيات الصالحات", قال الحاكم:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"
ووافقه الذهبي وصححه الألباني رحمه الله. وقد تضمن هذا الحديث إضافة الى
ما تقدم وصف هؤلاء الكلمات بأنهن الباقيات الصالحات وقد قال الله تعالى
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ
أَمَلًا) الكهف:46. والباقيات أي: التي يبقى ثوابها ويدوم جزاؤها, وهذا
خير أمل يؤمله العبد وأفضل ثواب. 9 - ومن فضائلهن أنهن ينعطفن حول عرش
الرحمن ولهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن, ففي المسند للإمام أحمد, وسنن
ابن ماجه ومستدرك الحاكم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :"إن مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتكبير
والتهليل والتحميد, ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل تذكر بصاحبها
’أما يحب أحدكم أن يكون له, أو لا يزال له من يذكر به" قال البوصيري في
زوائد سنن ابن ماجه:اسناده صحيح, رجاله ثقات, وصححه الحاكم. فأفاد هذا
الحديث هذه الفضيلة العظيمة وهي أن هؤلاء الكلمات الأربع ينعطفن حول العرش
أي يملن حوله ولهن دوي كدوي النحل, أي: صوت يشبه صوت النحل يذكرن بقائلهن,
وفي أعظم حض على الذكر بهبه الألفاظ , واهذا قال في الحديث:" ألا يحب
أحدكم أن يكون له أو لا يزال له من يذكر به". 10 - ومن فضائلهن: أن النبي
صلى الله عليه وسلم أخبر أنهن ثقيلات في الميزان, روى النسائي في عمل
اليوم والليله واب حيان في صحيحة والحاكم وغيرهم عن أبي سلمى رضي الله عنه
قال: سمعت رسول الله يقول:"بخ بخ - وأشار بيده خمس- ما أثقلهن في الميزان:
سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله أكبر والولد الصالح يُتوفى
للمرء المسلم فيحتسبه" صححه الحاكم, ووافقه الذهبي , وللحديث شاهد من حديث
ثوبان رضي الله عنه , خرجه البزار في مسنده وقال: اسناده حين. وقوله في
الحديث "بخ بخ" هي كلمة تقال عند الاعجاب بالشئ وبيان تفضيله. 11 - ومن
فضائل هؤلاء الكلمات: أن للعبد بقول كل واحدة منهن صدقة, روى مسلم في
صحيحة عن أبي ذر رضي الله عنه: أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يارسول الله ذهب أهل الدثور
بالأجور, يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم,
قال:"أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة, وكل تكبيرة
صدقة, وكل تحميدة صدقة, وكل تهليلة صدقة, وأمر بالمعروف صدقة , ونهي عن
منكر صدقة, وفي بضع أحدكم صدقة", قالوا: يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته
ويكون له فيها أجر؟ قال:"أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك
إذا وضعها في الحلال كان له أجر" وقد ظن الفقراء ألا صدقة إلا بالمال وهم
عاجزون عن ذلك فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن جميع أنواع فعل
المعروف والإحسان صدقة, وذكر في مقدمة ذلك هؤلاء الكلمات الأربع : سبحان
الله , والحمد لله , ولا اله الا الله , والله أكبر. 12 - ومن فضائل هؤلاء
الكلمات: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهن عن القرآن الكريم في حق من لا
يحسنه , روى أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم عن أبي أوفى رضي الله
عنهم قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إني لا
أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني شيئاً يجزيني. قال:" تقول:سبحان الله ,
والحمد لله , ولا اله الا الله , والله اكبر , ولا حول ولا قوة الا
بالله". فقال الاعرابي:هكذا وقبض يديه- فقال: هذا لله , فما لي؟ قال:تقول:
" اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني" فأخذها الأعرابي وقبض
كفيه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما هذا فقد ملأ يديه بالخير" . قال
المحدث أبو الطيب العظيم آبادي في تعليقه على سنن الدار قطني: سنده صحيح
وقال الألباني رحمه الله سنده حسن. فهذه بعض الفضائل الواردة في السنة
النبوية لهؤلاء الكلمات الأربع ومن يتأمل هذه الفضائل المتقدمة يجد أنها
عظيمة جداً, وداله على عظم قدر هؤلاء الكلمات ورفعة شأنهن وكثرة فوائدهن
وعوائدهن على العبد المؤمن ولعل السر في هذا الفضل العظيم-والله أعلم- ما
ذكر عن بعض أهل العلم أن أسماء الله تبارك وتعالى كلها مندرجة في هذه
الكلمات الأربع فسبحان الله يندرج تحت أسماء التنزيه كالقدوس والسلام
والحمدلله مشتمله على اثبات أنواع الكمال لله تبارك في أسمائه وصفاته ,
والله أكبر فيها تكبير الله وتعظيمة , وأنه لا يحصي أحد الثناء عليه ومن
كان كذلك فلا اله الا هو أي لا معبود حق سواه. فالتسبيح تنزيه لله عن كل
ما لا يليق به , والتحميد: إثبات لأنواع الكمال لله في أسمائه وصفاته
وأفعاله , والتهليل: إخلاص وتوحيد لله وبراءة من الشرك , والتكبير: إثبات
لعظمة الله, وأنه لا شئ أكبر منه. فلله ما أعظم هؤلاء الكلمات, ما أجل
شأنهن وما أكبر الخير المترتب عليهن, فنسأل الله أن يوفقنا للمحافظة
والمداومة عليهن وأن يجعلنا من أهلن الذين السنتهم رطبة بذلك , إنه ولي
ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين